فصل: قال ابن كثير:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وجملة: {ويوم يقول كن فيكون قوله الحقّ} معطوفة على التي قبلها لمناسبة ملابسة الحقّ لأفعاله تعالى فبُينت ملابسة الحقّ لأمره تعالى الدّال عليه {يقول}.
والمراد بـ {يومَ يقول كن} يوم البعث، لقوله بعده: {يوم يُنفخ في الصور}.
وقد أشكل نظم قوله: {ويوم يقول كن فيكون قوله الحقّ}، وذهب فيه المفسّرون طرائق.
والوجه أنّ قوله: {ويوم يقول كن فيكون} ظرف وقع خبره مقدّمًا للاهتمام به، والمبتدأ هو {قوله} ويكون {الحق} صفة للمتبدأ.
وأصل التركيب: وقوله الحقّ يومَ يقول: كن فيكون.
ونكتة الاهتمام بتقديم الظرف الردّ على المشركين المنكرين وقوع هذا التكوين بعد العدم.
ووصف القول بأنَّه الحقّ للردّ على المشركين أيضًا.
وهذا القول هو عين المقول لِفعل {يقول كن}، وحُذف المقول له {كن} لظهوره من المقام، أي يقول لغير الموجود الكائن: كُن.
وقوله: {فيكون} اعتراض، أي يقول لمّا أراد تكوينه {كن} فيوجد المقولُ له {كُن} عقِب أمر التكوين.
والمعنى أنَّه أنشأ خلق السماوات والأرض بالحقّ، وأنّه يعيد الخلق الذي بدأه بقول حقّ، فلا يخلو شيء من تكوينه الأول ولا من تكوينه الثاني عن الحقّ.
ويتضمَّن أنّه قول مستقبل، وهو الخلق الثاني المقابل للخلق الأول، ولذلك أتي بكلمة {يوم} للإشارة إلى أنَّه تكوين خاصّ مقدّر له يوم معيّن.
وفي قوله: {قولُه الحقّ} صيغة قصر للمبالغة، أي هو الحقّ الكامل لأنّ أقوال غيره وإن كان فيها كثير من الحقّ فهي معرّضة للخطأ وما كان فيها غيرَ معرض للخطأ فهو من وحي الله أو من نعمته بالعقل والإصابة، فذلك اعتداد بأنَّه راجع إلى فضل الله.
ونظير هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم في دعائه: «قولك الحقّ ووعدك الحقّ».
والمراد بالقول كلّ ما يدلّ على مراد الله تعالى وقضائه في يوم الحشر، وهو يوم يقول كن، من أمرِ تكوين، أو أمر ثواب، أو عقاب، أو خبر بما اكتسبه الناس من صالح الأعمال وأضدادها، فكلّ ذلك من قول الله في ذلك اليوم وهو حقّ.
وخصّ من بين الأقوال أمرُ التكوين لما اقتضاه التقديم من تخصيصه بالذكر كما علمت.
وللمفسّرين في إعراب هذه الآية وإقامة المعنى من ذلك مسالك أخرى غير جارية على السبل الواضحة.
وقوله: {وله الملك يوم ينفخ في الصور} جملة مستقلّة وانتظامها كانتظام جملة {ويوم يقول كن فيكون قوله الحقّ} إلاّ أنّ في تقديم المسند إليه على المسند قصر المسند إليه على المسند، أي المُلك مقصور على الكَون له لا لغيْره لردّ ما عسى أن يطمع فيه المشركون من مشاركة أصنامهم يومئذٍ في التصرفّ والقضاء.
والمقصود من هذا الظرف تهويل ذلك اليوم.
والنفخ في الصور مَثَل ضُرب للأمر التكويني بحياة الأموات الذي يعُمّ سائر الأموات، فيحيون به ويحضرون للحشر كما يحضر الجيش بنفخ الأبواق ودَقّ الطبول.
والصّور: البُوق.
وورد في الحديث: «أن المَلَك الموكَّل بنفخ الصور هو إسرافيل، ولا يَعلم كنه هذا النفخ إلاّ الله تعالى» ويومُ النَّفخ في الصّور هو يومَ يقُول: كن فيكون، ولكنَّه عبَّر عنه هنا بـ {يوم ينفخ في الصور} لإفادة هذا الحال العجيب، ولأنّ اليوم لمّا جعل ظرفًا للقول عُرّفَ بالإضافة إلى جملة {يقول كن فيكون}.
ولمَّا جعل اليوم ظرفًا للمُلك ناسب أن يعرّف اليوم بما هو من شعار المُلك والجند.
وقد انتصب {يوم ينفخ} على الظرفية، والعامل فيه للاستقرار الذي في قوله: {وله الملك}.
ويجوز أن يجعل بدلًا من {يومَ يقول كُن فيكون}.
ويجعل {وله الملك} عطفًا على {قوله الحقّ} على أنّ الجميع جملة واحدة.
وعن ابن عبّاس: الصور هنا جمع صُورة، أي ينفخ في صُوَر الموجودات.
ولما انتهى المقصود من الإخبار عن شؤون من شأن الله تعالى أتبع بصفات تشير إلى المحاسبة على كلّ جليل ودقيق ظاهر وباطن بقوله: {عالم الغيب والشهادة}.
وجاء أسلوب الكلام على طريقة حذف المخبَر عنه في مقام تَقَدُّم صفاته.
فحذْف المسند إليه في مثله تبع لطريقة الاستعمال في تعقيب الأخبار بخبر أعظم منها يجعل فيه المخبر عنه مسندًا إليه ويلتزم حذفه.
وقد تقدّم بيانه عند قوله تعالى: {مقامُ إبراهيم} في سورة [آل عمران: 97]، فلذلك قال هنا: {عالم الغيب} فحذف المسند إليه ثم لم يحذف المسند إليه في قوله: {وهو الحَكِيم الخبير}.
والغيب: ما هو غائب.
وقد تقدّم بيانه عند قوله تعالى: {الذين يؤمنون بالغيب} في سورة [البقرة: 3]، وعند قوله: {وعنده مفاتح الغيب} في هذه السورة [59].
والشهادة: ضدّ الغيب، وهي الأمور التي يشاهدها الناس ويتوصّلون إلى علمها يقال: شَهِد، بمعنى حضر، وضدّه غَاب، ولا تخرج الموجودات عن الاتّصاف بهذين الوصفين، فكأنَّه قيل: العالم بأحوال جميع الموجودات.
والتعريف في {الغيب والشهادة} للاستغراق، أي عالم كلّ غيب وكلّ شهادة.
وقوله: {وهو الحكيم الخبير} عطف على قوله: {عالم الغيب}.
وصفة {الحكيم} تجمع إتقان الصنع فتدلّ على عظم القدرة مع تعلّق العلم بالمصنوعات.
وصفة {الخبير} تجمع العلم بالمعلومات ظاهرها وخفيّها.
فكانت الصفتان كالفذلكة لقوله: {وهو الذي خلق السماوات والأرض بالحقّ} ولقوله: {عالم الغيب والشهادة}. اهـ.

.قال ابن كثير:

{وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ بِالْحَقِّ} أي: بالعدل، فهو خالقهما ومالكهما، والمدبر لهما ولمن فيهما.
وقوله: {وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ} يعني: يوم القيامة، الذي يقول الله: {كُنْ} فيكون عن أمره كلمح البصر، أو هو أقرب.
{وَيَوْمَ} منصوب إما على العطف على قوله: {وَاتَّقُوهُ} وتقديره: واتقوا يوم يقول كن فيكون، وإما على قوله: {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ} أي: وخلق يوم يقول كن فيكون. فذكر بدء الخلق وإعادته، وهذا مناسب. وإما على إضمار فعل تقديره: واذكر يوم يقول كن فيكون.
وقوله: {قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ} جملتان محلهما الجر، على أنهما صفتان لرب العالمين.
وقوله: {يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ} يحتمل أن يكون بدلا من قوله: {وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ} {يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ} ويحتمل أن يكون ظرفًا لقوله: {وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ} كقوله: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} [غافر: 16]، وكقوله: {الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا} [الفرقان: 26]، وما أشبه ذلك.
واختلف المفسرون في قوله: {يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ} فقال بعضهم: المراد بالصور هاهنا جمع صورة أي: يوم ينفخ فيها فتحيا.
قال ابن جرير: كما يقال سور- لسور البلد هو جمع سورة. والصحيح أن المراد بالصور: القَرْن الذي ينفخ فيه إسرافيل، عليه السلام، قال ابن جرير: والصواب عندنا ما تظاهرت به الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن إسرافيل قد التقم الصور وحنى جبهته، ينتظر متى يُؤمَر فينفخ».
وقال الإمام أحمد: حدثنا إسماعيل، حدثنا سليمان التيمي، عن أسلم العِجْلي، عن بِشْر بن شَغَاف، عن عبد الله بن عمرو قال: قال أعرابي: يا رسول الله، ما الصور؟ قال: «قرن ينفخ فيه».
وقد روينا حديث الصور بطوله، من طريق الحافظ أبي القاسم الطبراني، في كتابه الطّوالات قال: حدثنا أحمد بن الحسن المصري الأيْلي، حدثنا أبو عاصم النبيل، حدثنا إسماعيل بن رافع، عن محمد بن زياد، عن محمد بن كعب القُرَظي، عن أبي هريرة، رضي الله عنه قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو في طائفة من أصحابه، فقال: «إن الله لما فرغ من خلق السموات والأرض، خلق الصور فأعطاه إسرافيل، فهو واضعه على فيه، شاخصًا بصرَه إلى العرش، ينتظر متى يؤمر». قلت: يا رسول الله، وما الصور؟ قال: «القَرْن». قلت: كيف هو؟ قال: «عظيم، والذي بعثني بالحق، إن عظم دارة فيه كعرض السموات والأرض. ينفخ فيه ثلاث نفخات: النفخة الأولى نفخة الفزع، والثانية نفخة الصعق، والثالثة نفخة القيام لرب العالمين. يأمر الله تعالى إسرافيل بالنفخة الأولى، فيقول. انفخ، فينفخ نفخة الفزع، فيفزع أهل السموات وأهل الأرض إلا من شاء الله. ويأمره فيديمها ويطيلها ولا يفتر، وهي كقول الله: {وَمَا يَنْظُرُ هَؤُلاءِ إِلا صَيْحَةً وَاحِدَةً مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ} [ص: 15]، فيسير الله الجبال فتمر مر السحاب، فتكون سرابًا».
ثم ترتج الأرض بأهلها رجة فتكون كالسفينة المرمية في البحر، تضربها الأمواج، تكفأ بأهلها كالقنديل المعلق بالعرش، ترجرجه الرياح، وهي التي يقول: {يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ} [النازعات: 6- 8]، فَيَميدُ الناس على ظهرها، وتذهل المراضع، وتضع الحوامل، وتشيب الولدان، وتطير الشياطين هاربة من الفزع، حتى تأتي الأقطار، فتأتيها الملائكة فتضرب وجوهها، فترجع، ويولي الناس مدبرين ما لهم من أمْر الله من عاصم، ينادي بعضهم بعضا، وهو الذي يقول الله تعالى: {يَوْمَ التَّنَادِ} [غافر: 32].
فبينما هم على ذلك، إذ تصدعت الأرض من قطر إلى قطر، فرأوا أمرا عظيما لم يروا مثله، وأخذهم لذلك من الكرب والهول ما الله به عليم، ثم نظروا إلى السماء، فإذا هي كالمُهْل، ثم انشقت فانتشرت نجومها، وانخسف شمسها وقمرها. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الأموات لا يعلمون بشيء من ذلك» قال أبو هريرة: يا رسول الله، من استثنى الله، عَزَّ وجل، حين يقول: {فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأرْضِ إِلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ} [النمل: 87]، قال: «أولئك الشهداء، وإنما يصل الفزع إلى الأحياء، وهم أحياء عند الله يرزقون، وقاهم الله فزع ذلك اليوم، وآمنهم منه، وهو عذاب الله يبعثه على شرار خلقه»، قال: وهو الذي يقول الله، عَزَّ وجل: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} [الحج: 1، 2]، فيكونون في ذلك العذاب ما شاء الله، إلا أنه يطول.
ثم يأمر الله إسرافيل بنفخة الصعق، فينفخ نفخة الصعق، فيصعق أهل السموات وأهل الأرض إلا من شاء الله، فإذا هم قد خمدوا، وجاء ملك الموت إلى الجبار، عَزَّ وجل، فيقول: يا رب، قد مات أهل السموات والأرض إلا من شئت. فيقول الله- وهو أعلم بمن بقي: فمن بقي؟ فيقول: يا رب، بقيتَ أنت الحي الذي لا تموت، وبقيت حملة العرش، وبقي جبريل وميكائيل، وبقيت أنا. فيقول الله، عَزَّ وجل: ليمت جبريل وميكائيل. فيُنْطِقُ الله العرش فيقول: يا رب، يموت جبريل وميكائيل!! فيقول: اسكت، فإني كتبت الموت على كل من كان تحت عرشي، فيموتان. ثم يأتي ملك الموت إلى الجبار عَزَّ وجل فيقول يا رب، قد مات جبريل وميكائيل. فيقول الله عَزَّ وجل- وهو أعلم بمن بقي: فمن تبقي؟ فيقول: بقيت أنت الحي الذي لا تموت، وبقيت حملة عرشك، وبقيت أنا. فيقول الله عَزَّ وجل: ليمت حملة عَرْشي. فيموتوا، ويأمر الله العرش. فيقبض الصور من إسرافيل، ثم يأتي ملك الموت، فيقول: يا رب، قد مات حملة عرشك. فيقول الله- وهو أعلم بمن بقي: فمن بقي؟ فيقول: يا رب، بقيت أنت الحي الذي لا تموت، وبقيت أنا. فيقول الله عَزَّ وجل: أنت خَلْق من خلقي، خلقتك لما رأيت، فمِت. فيموت. فإذا لم يبق إلا الله الواحد القهار الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد، كان آخرًا كما كان أولا طوى السموات والأرض طي السجل للكتب ثم دحاهما ثم يلقفهما ثلاث مرات، ثم يقول: أنا الجبار، أنا الجبار، أنا الجبار ثلاثًا. ثم هتف بصوته: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ} ثلاث مرات، فلا يجيبه أحد، ثم يقول لنفسه: {لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} [غافر: 16]، يقول الله: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الأرْضُ غَيْرَ الأرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ} [إبراهيم: 48]، فيبسطهما ويسطحهما، ثم يمدهما مد الأديم العكاظي {لا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلا أَمْتًا} [طه: 107].
ثم يزجر الله الخلق زجرة، فإذا هم في هذه الأرض المبدلة مثل ما كانوا فيها من الأولى، من كان في بطنها كان في بطنها، ومن كان على ظهرها كان على ظهرها، ثم ينزل الله عَزَّ وجل عليهم ماء من تحت العرش، ثم يأمر الله السماء أن تمطر، فتمطر أربعين يومًا، حتى يكون الماء فوقهم اثني عشر ذراعا، ثم يأمر الله الأجساد أن تنبت فتنبت كنبات الطراثيث- أو: كنبات البقل- حتى إذا تكاملت أجسادهم فكانت كما كانت، قال الله، عَزَّ وجل: ليَحْيَا حملةُ عرشي، فيحيون. ويأمر الله إسرافيل فيأخذ الصور، فيضعه على فيه، ثم يقول: ليحيا جبريل وميكائيل، فيحيان، ثم يدعو الله الأرواح فيؤتى بها تتوهج أرواح المسلمين نورا، وأرواح الكافرين ظلمة، فيقبضها جميعا ثم يلقيها في الصور.
ثم يأمر الله إسرافيل أن ينفخ نفخة البعث، فينفخ نفخة البعث، فتخرج الأرواح كأنها النحل قد ملأت ما بين السماء والأرض، فيقول الله وعزتي وجلالي، ليرجعن كل روح إلى جسده، فتدخل الأرواح في الأرض إلى الأجساد، فتدخل في الخياشيم، ثم تمشي في الأجساد كما يمشي السم في اللديغ، ثم تَنْشَقّ الأرض عنكم وأنا أول من تَنْشَقّ الأرض عنه، فتخرجون سراعًا إلى ربكم تنسلون {مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ} [القمر: 8] حَفَاة عُرَاة غُلْفًا غُرْلا فتقفون موقفًا واحدًا مقداره سبعون عامًا، لا يُنْظَر إليكم ولا يقضى بينكم، فتبكون حتى تنقطع الدموع، ثم تدمعون دمًا وتَعْرَقون حتى يلجمكم العرق، أو يبلغ الأذقان، وتقولون من يشفع لنا إلى ربنا فيقضي بيننا؟ فتقولون من أحق بذلك من أبيكم آدم، خلقه الله بيده، ونفخ فيه من روحه، وكلمه قبلا؟ فيأتون آدم، فيطلبون ذلك إليه فيأبى، ويقول: ما أنا بصاحب ذلك. فيستقرءون الأنبياء نبيا نبيا، كلما جاءوا نبيا، أبى عليهم. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «حتى يأتوني، فأنطلق إلى الفحص فأَخر ساجدًا» قال أبو هريرة: يا رسول الله، وما الفَحْص؟ قال: «قدام العرش حتى يبعث الله إلي ملكا فيأخذ بعضدي، ويرفعني، فيقول لي: يا محمد فأقول: نعم يا رب. فيقول الله، عَزَّ وجل: ما شأنك؟ وهو أعلم، فأقول: يا رب، وعدتني الشفاعة فشَفعني في خلقك، فاقض بينهم. قال الله قد شفعتك، أنا آتيكم أقضي بينكم».